فصل: تفسير الآيات (169- 170):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآيات (162- 163):

{أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (163)}
قوله تعالى: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ} يريد بترك الغلول والصبر على الجهاد. {كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ} يريد بكفر أو غلول أو تول عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحرب. {وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ} أي مثواه النار، أي إن لم يتب أو يعفو الله عنه. {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} أي المرجع. وقرئ رضوان بكسر الراء وضمها كالعدوان والعدوان. ثم قال تعالى: {هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ} أي ليس من اتبع رضوان الله كمن باء بسخط منه. قيل: {هُمْ دَرَجاتٌ} متفاوتة، أي هم مختلفوا المنازل عند الله، فلمن ابتغى رضوانه الكرامة والثواب العظيم، ولمن باء بسخط منه المهانة والعذاب الأليم. ومعنى: {هُمْ دَرَجاتٌ}- أي ذوو درجات. أو على درجات، أو في درجات، أو لهم درجات. وأهل النار أيضا ذوو درجات، كما قال: «وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح». فالمؤمن والكافر لا يستويان في الدرجة، ثم المؤمنون يختلفون أيضا، فبعضهم أرفع درجة من بعض، وكذلك الكفار. والدرجة الرتبة، ومنه الدرج، لأنه يطوى رتبة بعد رتبة. والأشهر في منازل جهنم دركات، كما قال: {إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145] فلمن لم يغل درجات في الجنة، ولمن غل دركات في النار. قال أبو عبيدة: جهنم أدراك، أي منازل، يقال لكل منزل منها: درك ودرك. والدرك إلى أسفل، والدرج إلى أعلى.

.تفسير الآية رقم (164):

{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164)}
بين الله تعالى عظيم منته عليهم ببعثه محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والمعنى في المنة فيه أقوال: منها أن يكون معنى: {مِنْ أَنْفُسِهِمْ} أي بشر مثلهم. فلما أظهر البراهين وهو بشر مثلهم علم أن ذلك من عند الله.
وقيل: {مِنْ أَنْفُسِهِمْ} منهم. فشرفوا به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكانت تلك المنة.
وقيل: {مِنْ أَنْفُسِهِمْ} ليعرفوا حاله ولا تخفى عليهم طريقته. وإذا كان محله فيهم هذا كانوا أحق بأن يقاتلوا عنه ولا ينهزموا دونه. وقرى في الشواذ {من أنفسهم} بفتح الفاء يعني من أشرفهم، لأنه من بني هاشم، وبنو هاشم أفضل من قريش، وقريش أفضل من العرب، والعرب أفضل من غيرهم. ثم قيل: لفظ المؤمنين عام ومعناه خاص في العرب، لأنه ليس حي من أحياء العرب إلا وقد ولده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولهم فيه نسب، إلا بني تغلب فإنهم كانوا نصارى فطهره الله من دنس النصرانية. وبيان هذا التأويل قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} [الجمعة: 2].
وذكر أبو محمد عبد الغني قال: حدثنا أبو أحمد البصري حدثنا أحمد بن علي بن سعيد القاضي أبو بكر المروزي حدثنا يحيى بن معين حدثنا هشام بن يوسف عن عبد الله بن سليمان النوفلي عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} قالت: هذه للعرب خاصة.
وقال آخرون: أراد به المؤمنين كلهم. ومعنى: {مِنْ أَنْفُسِهِمْ} أنه واحد منهم وبشر ومثلهم، وإنما امتاز عنهم بالوحي، وهو معنى قوله: {لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128] وخص المؤمنين بالذكر لأنهم المنتفعون به، فالمنة عليهم أعظم. وقوله تعالى: {يَتْلُوا عَلَيْهِمْ} {يَتْلُوا} في موضع نصب نعت لرسول، ومعناه يقرأ. والتلاوة القراءة. {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ} تقدم في البقرة. ومعنى: {وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ} أي ولقد كانوا من قبل، أي من قبل محمد، وقيل: {إِنْ} بمعنى ما، واللام في الخبر بمعنى إلا، أي وما كانوا من قبل إلا في ضلال مبين. ومثله {وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة: 198] أي وما كنتم من قبله إلا من الضالين. وهذا مذهب الكوفيين. وقد تقدم في البقرة معنى هذه الآية.

.تفسير الآية رقم (165):

{أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)}
الالف للاستفهام، والواو للعطف. {مُصِيبَةٌ} أي غلبة. {قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها} يوم بدر بأن قتلتم منهم سبعين وأسرتم سبعين. والأسير في حكم المقتول، لأن الآسر يقتل أسيره إن أراد. أي فهزمتموهم يوم بدر ويوم أحد أيضا في الابتداء، وقتلتم فيه قريبا من عشرين، قتلتم منهم في يومين، ونالوا منكم في يوم أحد. {قُلْتُمْ أَنَّى هذا} أي من أين أصابنا هذا الانهزام والقتل، ونحن نقاتل في سبيل الله، ونحن مسلمون، وفينا النبي والوحي، وهم مشركون؟. {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} يعني مخالفة الرماة. وما من قوم أطاعوا نبيهم في حرب إلا نصروا، لأنهم إذا أطاعوا فهم حزب الله، وحزب الله هم الغالبون.
وقال قتادة والربيع بن أنس: يعني سؤالهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يخرج بعد ما أراد الإقامة بالمدينة. وتأولها في الرؤيا التي رآها درعا حصينة. علي بن أبي طالب رضي الله عنه: هو اختيارهم الفداء يوم بدر على القتل. وقد قيل لهم: إن فأديتم الأسارى قتل منكم على عدتهم.
وروى البيهقي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الأسارى يوم بدر: «إن شئتم قتلتموهم وإن شئتم فاديتموهم واستمتعتم بالفداء واستشهد منكم بعدتهم». فكان آخر السبعين ثابت بن قيس قتل يوم اليمامة. فمعنى: {مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} على القولين الأولين بذنوبكم. وعلى القول الأخير باختياركم.

.تفسير الآيات (166- 167):

{وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (167)}
يعني يوم أحد من القتل والجرح والهزيمة. {فَبِإِذْنِ اللَّهِ} أي بعلمه.
وقيل: بقضائه وقدره. قال القفال: أي فبتخليته بينكم وبينهم، لا أنه أراد ذلك. وهذا تأويل المعتزلة. ودخلت الفاء في: {فَبِإِذْنِ اللَّهِ} لأن {ما} بمعنى الذي. أي والذي أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله، فأشبه الكلام معنى الشرط، كما قال سيبويه: الذي قام فله درهم.
{وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا} أي ليميز. وقيل ليرى.
وقيل: ليظهر إيمان المؤمنين بثبوتهم في القتال، وليظهر كفر المنافقين بإظهارهم الشماتة فيعلمون ذلك. والإشارة بقوله نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ هي إلى عبد الله بن أبي وأصحابه الذين انصرفوا معه عن نصرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانوا ثلاثمائة. فمشى في أثرهم عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري، أبو جابر ابن عبد الله، فقال لهم: اتقوا الله ولا تتركوا نبيكم، وقاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا، ونحو هذا من القول. فقال له ابن أبى: ما أرى أن يكون قتال، ولو علمنا أن يكون قتال لكنا معكم. فلما يئس منهم عبد الله قال: اذهبوا أعداء الله فسيغني الله رسوله عنكم. ومضى مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستشهد رحمه الله تعالى. واختلف الناس في معنى قوله: {أَوِ ادْفَعُوا} فقال السدي وابن جريج وغيرهما: كثروا سوادنا وإن لم تقاتلوا معنا، فيكون ذلك دفعا وقمعا للعدو، فإن السواد إذا كثر حصل دفع العدو.
وقال أنس بن مالك: رأيت يوم القادسية عبد الله بن أم مكتوم الأعمى وعليه درع يجر أطرافها، وبيده راية سوداء، فقيل له: أليس قد أنزل الله عذرك؟ قال: بلى! ولكني أكثر سواد المسلمين بنفسي. وروي عنه أنه قال: فكيف بسوادي في سبيل الله! وقال أبو عون الأنصاري: معنى: {أَوِ ادْفَعُوا} رابطوا. وهذا قريب من الأول. ولا محالة أن المرابط مدافع، لأنه لولا مكان المرابطين في الثغور لجاءها العدو. وذهب قوم من المفسرين إلى أن قول عبد الله بن عمرو {أَوِ ادْفَعُوا} إنما هو استدعاء إلى القتال حمية، لأنه استدعاهم إلى القتال في سبيل الله، وهي أن تكون كلمة الله هي العليا، فلما رأى أنهم ليسوا على ذلك عرض عليهم الوجه الذي يحشمهم ويبعث الأنفة. أي أو قاتلوا دفاعا عن الحوزة. ألا ترى أن قزمان قال: والله ما قاتلت إلا عن أحساب قومي. وألا ترى أن بعض الأنصار قال يوم أحد لما رأى قريشا قد أرسلت الظهر في زروع قناة، أترعى زروع بني قيلة ولما نضارب؟ والمعنى إن لم تقاتلوا في سبيل الله فقاتلوا دفعا عن أنفسكم وحريمكم.
قوله تعالى: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ} أي بينوا حالهم، وهتكوا أستارهم، وكشفوا عن نفاقهم لمن كان يظن أنهم مسلمون، فصاروا أقرب إلى الكفر في ظاهر الحال، وإن كانوا كافرين على التحقيق. وقوله تعالى: {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} أي أظهروا الايمان، وأضمروا الكفر. وذكر الأفواه تأكيد، مثل قوله: {يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ} [الأنعام: 38].

.تفسير الآية رقم (168):

{الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (168)}
قوله تعالى: {الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ} معناه لأجل إخوانهم، وهم الشهداء المقتولون من الخزرج، وهم إخوة نسب ومجاورة، لا إخوة الدين. أي قالوا لهؤلاء الشهداء: لو قعدوا، أي بالمدينة ما قتلوا.
وقيل: قال عبد الله بن أبي وأصحابه لإخوانهم، أي لاشكالهم من المنافقين: لو أطاعونا، هؤلاء الذين قتلوا، لما قتلوا. وقوله: {لَوْ أَطاعُونا} يريد في ألا يخرجوا إلى قريش. وقوله: {وَقَعَدُوا} أي قالوا هذا القول وقعدوا بأنفسهم عن الجهاد، فرد الله عليهم بقوله: {قُلْ فَادْرَؤُا} أي قل لهم يا محمد: إن صدقتم فادفعوا الموت عن أنفسكم. والدرء الدفع. بين بهذا أن الحذر لا ينفع من القدر، وأن المقتول يقتل بأجله، وما علم الله وأخبر به كائن لا محالة.
وقيل: مات يوم قيل هذا، سبعون منافقا.
وقال أبو الليث السمرقندي: سمعت بعض المفسرين بسمرقند يقول: لما نزلت الآية {قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ} مات يومئذ سبعون نفسا من المنافقين.

.تفسير الآيات (169- 170):

{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)}
فيه ثمان مسائل:
الأولى: لما بين الله تعالى أن ما جرى يوم أحد كان امتحانا يميز المنافق من الصادق، بين أن من لم ينهزم فقتل له الكرامة والحياة عنده. والآية في شهداء أحد.
وقيل: نزلت في شهداء بئر معونة.
وقيل: بل هي عامة في جميع الشهداء.
وفي مصنف أبي داود بإسناد صحيح عن ابن عباس قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عند الحرب فقال الله سبحانه أنا أبلغهم عنكم»- قال- فأنزل الله {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً...} إلى آخر الآيات.
وروى بقي بن مخلد عن جابر قال: لقيني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: «يا جابر ما لي أراك منكسا مهتما؟» قلت: يا رسول الله، استشهد أبي وترك عيالا وعليه دين، فقال: «ألا أبشرك بما لقي الله عز وجل به أباك؟» قلت: بلى يا رسول الله. قال: «إن الله أحيا أباك وكلمه كفاحا وما كلم أحد قط إلا من وراء حجاب فقال له يا عبدي تمن أعطك قال يا رب فردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية فقال الرب تبارك وتعالى إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون قال يا رب فأبلغ من ورائي» فأنزل الله عز وجل: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآية. أخرجه ابن ماجه في سننه، والترمذي في جامعه وقال: هذا حديث حسن غريب.
وروى وكيع عن سالم بن الأفطس عن سعيد بن جبير {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ}
قال: لما أصيب حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير ورأوا ما رزقوا من الخير قالوا: ليت إخواننا يعلمون ما أصابنا من الخير كي يزدادوا في الجهاد رغبة، فقال الله تعالى أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً} إلى قوله: {لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}.
وقال أبو الضحى: نزلت هذه الآية في أهل أحد خاصة. والحديث الأول يقتضي صحة هذا القول.
وقال بعضهم: نزلت في شهداء بدر وكانوا أربعة عشر رجلا، ثمانية من الأنصار، وستة من المهاجرين.
وقيل: نزلت في شهداء بئر معونة، وقصتهم مشهورة ذكرها محمد بن إسحاق وغيره.
وقال آخرون: إن أولياء الشهداء كانوا إذا أصابتهم نعمة وسرور تحسروا وقالوا: نحن في النعمة والسرور، وآباؤنا وأبناؤنا وإخواننا في القبور. فأنزل الله تعالى هذه الآية تنفيسا عنهم وإخبارا عن حال قتلاهم.
قلت: وبالجملة وإن كان يحتمل أن يكون النزول بسبب المجموع فقد أخبر الله تعالى فيها عن الشهداء أنهم أحياء في الجنة يرزقون، ولا محالة أنهم ماتوا وأن أجسادهم في التراب، وأرواحهم حية كأرواح سائر المؤمنين، وفضلوا بالرزق في الجنة من وقت القتل حتى كأن حياة الدنيا دائمة لهم. وقد اختلف العلماء في هذا المعنى. فالذي عليه المعظم هو ما ذكرناه، وأن حياة الشهداء محققة. ثم منهم من يقول: ترد إليهم الأرواح في قبورهم فينعمون، كما يحيا الكفار في قبورهم فيعذبون.
وقال مجاهد: يرزقون من ثمر الجنة، أي يجدون ريحها وليسوا فيها. وصار قوم إلى أن هذا مجاز، والمعنى أنهم في حكم الله مستحقون للتنعم في الجنة. وهو كما يقال: ما مات فلان، أي ذكره حي، كما قيل:
موت التقي حياة لا فناء لها ** قد مات قوم وهم في الناس أحياء

فالمعنى أنهم يرزقون الشاء الجميل.
وقال آخرون: أرواحهم في أجواف طير خضر وأنهم يرزقون في الجنة ويأكلون ويتنعمون. وهذا هو الصحيح من الأقوال، لأن ما صح به النقل فهو الواقع. وحديث ابن عباس نص يرفع الخلاف. وكذلك حديث ابن مسعود خرجه مسلم. وقد أتينا على هذا المعنى مبينا في كتاب التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة. والحمد لله. وقد ذكرنا هناك كم الشهداء، وأنهم مختلفو الحال. وأما من تأول في الشهداء أنهم أحياء بمعنى أنهم سيحيون فبعيد يرده القرآن والسنة، فإن قوله تعالى: {بَلْ أَحْياءٌ} دليل على حياتهم، وأنهم يرزقون ولا يرزق إلا حي. وقد قيل: إنه يكتب لهم في كل سنة ثواب غزوة، ويشركون في ثواب كل جهاد كان بعدهم إلى يوم القيامة، لأنهم سنوا أمر الجهاد. نظيره قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً} [المائدة: 32]. على ما يأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى.
وقيل: لان أرواحهم تركع وتسجد تحت العرش إلى يوم القيامة، كأرواح الأحياء المؤمنين الذين باتوا على وضوء.
وقيل: لان الشهيد لا يبلى في القبر ولا تأكله الأرض. وقد ذكرنا هذا المعنى في التذكرة وأن الأرض لا تأكل الأنبياء والشهداء والعلماء والمؤذنين المحتسبين وحملة القرآن.
الثانية: إذا كان الشهيد حيا حكما فلا يصلى عليه، كالحي حسا. وقد اختلف العلماء في غسل الشهداء والصلاة عليهم، فذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري إلى غسل جميع الشهداء والصلاة عليهم، إلا قتيل المعترك في قتال العدو خاصة، لحديث جابر قال قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ادفنوهم بدمائهم» يعني يوم أحد ولم يغسلهم، رواه البخاري.
وروى أبو داود عن ابن عباس قال: أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا؟ بدمائهم وثيابهم. وبهذا قال أحمد وإسحاق والأوزاعي وداود بن علي وجماعة فقهاء الأمصار وأهل الحديث وابن علية.
وقال سعيد بن المسيب والحسن: يغسلون. قال أحدهما: إنما لم تغسل شهداء أحد لكثرتهم والشغل عن ذلك. قال أبو عمر: ولم يقل بقول سعيد والحسن هذا أحد من فقهاء الأمصار إلا عبيد الله بن الحسن العنبري، وليس ما ذكروا من الشغل عن غسل شهداء أحد علة، لأن كل واحد منهم كان له ولي يشتغل به ويقوم بأمره. والعلة في ذلك- والله أعلم- ما جاء في الحديث في دمائهم: «أنها تأتي يوم القيامة كريح المسك» فبان أن العلة ليست الشغل كما قال من قال في ذلك، وليس لهذه المسألة مدخل في القياس والنظر، وإنما هي مسألة اتباع للأثر الذي نقله الكافة في قتلى أحد لم يغسلوا. وقد احتج بعض المتأخرين ممن ذهب مذهب الحسن بقوله عليه السلام في شهداء أحد. «أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة». قال: وهذا يدل على خصوصهم وأنه لا يشركهم في ذلك غيرهم. قال أبو عمر: وهذا يشبه الشذوذ، والقول بترك غسلهم أولى، لثبوت ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قتلى أحد وغيرهم.
وروى أبو داود عن جابر قال: رمي رجل بسهم في صدره أو في حلقه فمات فأدرج في ثيابه كما هو. قال: ونحن مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الثانية: وأما الصلاة عليهم فاختلف العلماء في ذلك أيضا، فذهب مالك والليث والشافعي وأحمد وداود إلى أنه لا يصلى عليهم، لحديث جابر قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول: «أيهما أكثر أخذا للقرآن؟» فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد وقال: «أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة» وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم.
وقال فقهاء الكوفة والبصرة والشام: يصلى عليهم. ورووا آثارا كبيرة أكثرها مراسيل أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على حمزة وعلى سائر شهداء أحد. والرابعة: وأجمع العلماء على أن الشهيد إذا حمل حيا ولم يمت في المعترك وعاش واكل فإنه يصلى عليه، كما قد صنع بعمر رضي الله عنه. واختلفوا فيمن قتل مظلوما كقتيل الخوارج وقطاع الطريق وشبه ذلك، فقال أبو حنيفة والثوري: كل من قتل مظلوما لم يغسل، ولكنه يصلى عليه وعلى كل شهيد، وهو قول سائر أهل العراق. ورووا من طرق كثير صحاح عن زيد بن صوحان، وكان قتل يوم الجمل: لا تنزعوا عني ثوبا ولا تغسلوا عني دما. وثبت عن عمار بن ياسر أنه قال مثل قول زيد بن صوحان. وقتل عمار بن ياسر بصفين ولم يغسله علي. وللشافعي قولان: أحدهما- يغسل كجميع الموتى إلا من قتله أهل الحرب، وهذا قول مالك. قال مالك: لا يغسل من قتله الكفار ومات في المعترك. وكان مقتول غير قتيل المعترك- قتيل الكفار- فإنه يغسل ويصلى عليه. وهذا قول أحمد بن حنبل رضي الله عنه. والقول الآخر للشافعي- لا يغسل قتيل البغاة. وقول مالك أصح، فإن غسل الموتى قد ثبت بالإجماع ونقل الكافة. فواجب غسل كل ميت إلا من أخرجه إجماع أو سنة ثابتة. وبالله التوفيق.
الخامسة: العدو إذا صبح قوما في منزلهم ولم يعلموا به فقتل منهم فهل يكون حكمه حكم قتيل المعترك، أو حكم سائر الموتى، وهذه المسألة نزلت عندنا بقرطبة أعادها الله: أغار العدوقصمه الله- صبيحة الثالث من رمضان المعظم سنة سبع وعشرين وستمائة والناس في أجرانهم على غفلة، فقتل وأسر، وكان من جملة من قتل والدي رحمه الله، فسألت شيخنا المقرئ الأستاذ أبا جعفر أحمد المعروف بأبي حجة فقال، غسله وصلي عليه، فإن أباك لم يقتل في المعترك بين الصفين. ثم سألت شيخنا ربيع بن عبد الرحمن بن أحمد بن ربيع بن أبي فقال: إن حكمه حكم القتلى في المعترك. ثم سألت قاضي الجماعة أبا الحسن علي بن قطرال وحوله جماعة من الفقهاء فقالوا: غسله وكفنه وصل عليه، ففعلت. ثم بعد ذلك وقفت على المسألة في التبصرة لابي الحسن اللخمي وغيرها. ولو كان ذلك قبل ذلك ما غسلته، وكنت دفنته بدمه في ثيابه.
السادسة: هذه الآية تدل على عظيم ثواب القتل في سبيل الله والشهادة فيه حتى أنه يكفر الذنوب، كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين كذلك قال لي جبريل عليه السلام آنفا». قال علماؤنا ذكر الدين تنبيه على ما في معناه من الحقوق المتعلقة بالذمم، كالغصب واخذ المال بالباطل وقتل العمد وجراحه وغير ذلك من التبعات، فإن كل هذا أولى ألا يغفر بالجهاد من الدين فإنه أشد، والقصاص في هذا كله بالحسنات والسيئات حسبما وردت به السنة الثابتة. روى عبد الله بن أنيس قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «يحشر الله العباد- أو قال الناس، شك همام، وأومأ بيده إلى الشام- عراة غرلا بهما. قلنا: ما بهم؟ قال: ليس معهم شيء فيناديهم بصوت يسمعه من قرب ومن بعد أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لاحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة واحد من أهل النار يطلبه بمظلمة ولا ينبغي لاحد من أهل النار أن يدخل النار واحد من أهل الجنة يطلبه بمظلمة حتى اللطمة. قال قلنا: كيف وإنما نأتي الله حفاة عراة غرلا؟. قال: بالحسنات والسيئات». أخرجه الحارث بن أبي أسامة.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «أتدرون من المفلس؟» قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: «إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا واكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياه فطرحت عليه ثم طرح في النار».
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «والذي نفسي بيده لو أن رجلا قتل في سبيل الله ثم أحيي ثم قتل ثم أحيي ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضى عنه».
وروى أبو هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نفس المؤمن معلقة ما كان عليه دين».
وقال أحمد بن زهير: سئل يحيى بن معين عن هذا الحديث فقال: هو صحيح. فإن قيل: فهذا يدل على أن بعض الشهداء لا يدخلون الجنة من حين القتل، ولا تكون أرواحهم في جوف طير كما ذكرتكم، ولا يكونون في قبورهم، فأين يكونون؟ قلنا: قد ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «أرواح الشهداء على نهر بباب الجنة يقال له بارق يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا» فلعلهم هؤلاء. والله أعلم. ولهذا قال الامام أبو محمد بن عطية: وهؤلاء طبقات وأحوال مختلفة يجمعها أنهم {يُرْزَقُونَ}. وقد أخرج الامام أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني في سننه عن سليم بن عامر قال: سمعت أبا أمامة يقول سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «شهيد البحر مثل شهيدي البر والمائد في البحر كالمتشحط في دمه في البر وما بين الموجتين كقاطع الدنيا في طاعة الله وإن الله عز وجل وكل ملك الموت بقبض الأرواح إلا شهداء البحر فإنه سبحانه يتولى قبض أرواحهم ويغفر لشهيد البر الذنوب كلها إلا الدين ويغفر لشهيد البحر الذنوب كلها والدين».
السابعة: الدين الذي يحبس به صاحبه عن الجنة- والله أعلم- هو الذي قد ترك له وفاء ولم يوص به. أو قدر على الأداء فلم يؤده، أو أدانه في سرف أو في سفه ومات ولم يوفه. وأما من ادان في حق واجب لفاقة وعسر ومات ولم يترك وفاء فإن الله لا يحبسه عن الجنة إن شاء الله، لأن على السلطان فرضا أن يؤدي عنه دينه، إما من جملة الصدقات، أو من سهم الغارمين، أو من الفيء الراجع على المسلمين. قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من ترك دينا أو ضياعا فعلى الله ورسوله ومن ترك مالا فلورثته». وقد زدنا هذا الباب بيانا في كتاب التذكرة والحمد لله.
الثانية: قوله تعالى: {عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} فيه حذف مضاف تقديره عند كرامة ربهم. و{عِنْدَ} هنا تقتضي غاية القرب، فهي كـ لدى ولذلك لم تصغر فيقال! عنيد، قال سيبويه. فهذه عندية الكرامة لا عندية المسافة والقرب. و{يُرْزَقُونَ} هو الرزق المعروف في العادات. ومن قال: هي حياة الذكر قال: يرزقون الثناء الجميل. والأول الحقيقة. وقد قيل: إن الأرواح تدرك في تلك الحال التي يسرحون فيها من روائح الجنة وطيبها ونعبمها وسرورها ما يليق بالأرواح، مما ترتزق وتنتعش به. وأما اللذات الجسمانية فإذا أعيدت تلك الأرواح إلى أجسادها استوفت من النعيم جميع ما أعد الله لها. وهذا قول حسن، وإن كان فيه نوع من المجاز، فهو الموافق لما اخترناه. والموفق الاله. و{فَرِحِينَ} نصب في موضع الحال من المضمر في: {يُرْزَقُونَ}. ويجوز في الكلام {فرحون} على النعت لإحياء. وهو من الفرح بمعنى السرور. والفضل في هذه الآية هو النعيم المذكور. وقرأ ابن السميقع {فارحين} بالألف وهما لغتان، كالفره والفاره، والحذر والحاذر، والطمع والطامع، والبخل والباخل. قال النحاس: ويجوز في غير القرآن رفعه، يكون نعتا لإحياء.
قوله تعالى: {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ} المعنى لم يلحقوا بهم في الفضل، وإن كان لهم فضل. وأصله من البشرة، لأن الإنسان إذا فرح ظهر أثر السرور في وجهه.
وقال السدي.: يؤتى الشهيد بكتاب فيه ذكر من يقدم عليه من إخوانه، فيستبشر كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في الدنيا.
وقال قتادة وابن جريح والربيع وغيرهم: استبشارهم بأنهم يقولون: إخواننا الذين تركنا خلفنا في الدنيا يقاتلون في سبيل الله مع نبيهم، فيستشهدون فينالون من الكرامة مثل ما نحن فيه، فيسرون ويفرحون لهم بذلك.
وقيل: إن الإشارة بالاستبشار للذين لم يلحقوا بهم إلى جميع المؤمنين وإن لم يقتلوا، ولكنهم لما عاينوا ثواب الله وقع اليقين بأن دين الإسلام هو الحق الذي يثيب الله عليه، فهم فرحون لأنفسهم بما آتاهم الله من فضله، مستبشرون للمؤمنين بأن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ذهب إلى هذا المعنى الزجاج وابن فورك.